كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن بن عباس، وقتادة، وعكرمة والضحاك أنه الموقر حملا على أنه من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب فمخضود مثنى الأغصان كني به عن كثير الحمل.
وقد أخرج ابن المنذر عن يزيد الرقاشي أن النبقة أعظم من القلال والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم والانتفاع بما ذكر.
{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} قد نضد حمله من أسفله إلى أعلاه ليست له ساق بارزة وهو شجر الموز.
كما أخرج ذلك عبد الرزاق وهناد وعبد بن حميد ابن جرير وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وأخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس ورواه ابن المنذر عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري وعبد بن حميد عن الحسن، ومجاهد وقتادة، وعن الحسن أنه قال: ليس بالموز ولكنه شجر طله بارد رطب، وقال السدى: شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر أحلى من العسل، وقيل: هو شجر من عظام العضاه، وقيل: شجر أم غيلان وله نوار كثير طيب الرائحة.
{وَظِلّ مَّمْدُودٍ} ممتد منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وظاهر الآثار يقتضي أنه ظل الأشجار.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤوا إن شئتم {وَظِلّ مَّمْدُودٍ}».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وذلك الظل الممدود».
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها قدر ما يسير الراكب في كل نواحيها مائة عام يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله تعالى ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا؛ وعن مجاهد أنه قال: هذا الظل من سدرها وطلحها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن ميمون أنه قال: الظل الممدود مسيرة سبعين ألف سنة.
{وَمَاء مَّسْكُوبٍ} قال سفيان وغيره: جار من غير أخاديد، وقيل: منساب حيث شاؤوا لا يحتاجون فيه إلى سانية ولا رشاء وذكر هذه الأشياء لما أن كثيرًا من المؤمنين لبداوتهم تمنوها.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد قال: كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلحة وسدره فأنزل الله تعالى: {وأصحاب اليمين مَا أصحاب اليمين في سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} [الواقعة: 72، 82] الخ، وفي رواية عن الضحاك (نظر المسلمون إلى وج فأعجبهم سدره وقالوا: يا ليت لنا مثل هذا فنزلت هذه الآية).
وقيل: كأنه لما شبه حال السابقين بأقصى ما يتصور لأهل المدن من كونهم على سرر تطوف عليهم خدامهم بأنواع الملاذ شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتصور لأهل البوادي من نزولهم في أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار وظلال إيذانًا بأن التفاوت بين الفريقين كالتفاوت بين أهل المدن والبوادي، وذكر الإمام مدعيًا أنه مما وفق له أن قوله تعالى: {فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [الواقعة: 28، 29] من باب قوله سبحانه: {رَّبُّ المشرق والمغرب} [الشعراء: 28] لأن السدر أوراقه في غاية الصغر والصلح يعني الموز أوراقه في غاية الكبر فوقعت الأشارة إلى الطرفين فيراد جميع الأشجار لأنها نظرًا إلى أوراقها محصورة بينهما وهو مما لا بأس به.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وجعفر بن محمد وعبد الله رضي الله تعالى عنهم وطلع بالعين بدل {وَطَلْحٍ} بالحاء.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف وابن جرير عن قيس بن عباد قال: قرأت على علي كرم الله تعالى وجهه {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} فقال: ما بال الطلح؟ أما تقرأ {وطلع}، ثم قرأ قوله تعالى: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} [ق: 10] فقيل له: يا أمير المؤمنين أنحكها من المصحف؟ فقال: لا يهاج القرآن اليوم وهي رواية غير صحيحة كما نبه على ذلك الطيبي، وكيف يقرأ أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه تحريفًا في كتاب الله تعالى المتداول بين الناس، أو كيف يظنّ بأن نقلة القرآن ورواته وكتابه من قبل تعمدوا ذلك أو غفلوا عنه؟ هذا والله تعالى قد تكفل بحفظه سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم إن الذي يقتضيه النظم الجليل كما قال الطيبي: حمل {فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} [الواقعة: 28] إلخ على معنى التظليل، وتكاثف الأشجار على سبيل الترقي لأن الفواكه مستغنى عنها بما بعد وليقابل قوله تعالى: {وأصحاب الشمال مَا أصحاب الشمال في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} [الواقعة: 41 43] قوله سبحانه: {وأصحاب اليمين} إلخ فاذن لا مدخل لحديث الطلع في معنى الظل وما يتصل به لكن قال صاحب الكشف: إن وصف الطلح بكونه منضودًا لا يظهر له كثير ملاءمة لكون المقصود منفعة التظليل وينبغي أن يحمل الطلح على أنه من عظام العضاه على ما ذكره في الصحاح فشجر أم غيلان والموز لا ظل لهما يعتد به، ثم قال: ولو حمل الطلح على المشموم لكن وجهًا انتهى، وقد قدمنا لك خبر سبب النزول فلا تغفل.
{وفاكهة كَثْيرَةُ} أي بحسب الأنواع والأجناس على ما يقتضيه المقام.
{لاَّ مَقْطُوعَةٍ} في وقت من الأوقات كفواكه الدنيا {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} عمن يريد تناولها بوجه من الوجوه ولا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا، وقرئ {وفاكهة كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} بالرفع في الجميع على تقدير وهناك {فاكهة} إلخ.
{وَفُرُشٍ} جمع فراش كسراج وسرج، وقرأ أبو حيوة بسكون الراء {مَّرْفُوعَةٍ} منضدة مرتفعة أو مرفوعة على الأسرة فالرفع حسي كما هو الظاهر.
وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وجماعة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام ولا تستبعد ذلك من حيث العروج والنزول ونحوهما فالعالم عالم آخر وراء طور عقلك.
وأخرج هناد عن الحسن أن ارتفاعها مسيرة ثمانين سنة وليس بمثابة الخبر السابق، وقال بعضهم: أي رفيعة القدر على أن رفعها معنوي بمعنى شرفها وأيًا مّا كان فالمراد بالفرش ما يفرش للجلوس عليها.
وقال أبو عبيدة: المراد بها النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش كما يكنى عنها باللباس ورفعهن في الأقدار والمنازل.
وقيل: على الأرائك وأيد إرادة النساء بقوله تعالى: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} لأن الضمير في الأغلب يعود على مذكور متقدم وليس إلا الفرش ولا يناسب العود إليه إلا بهذا المعنى والاستخدام بعيد هنا، وعلى القول في الفرش الضمير للنساء وإن لم يجر لها ذكر لتقدم ما يدل عليها فهو تتميم بيانًا لمقدر يدل عليه السياق كأنه قيل وفرش مرفوعة ونساء أو وحور عين، ثم استؤنف وصفهن بقوله سبحانه: {إِنَّا أنشأناهن} تتميمًا للبيان زيادة للترغيب لا لتعليل الرفع، وقيل: إن المرجع مضمر وتقدير المنزل وفرش مرفوعة لأزواجهم أو لنسائهم فإنا إلخ استئناف علة للرفع أي وفرش مرفوعة لأزواجهم لأنا أنشأناهن، والأول أوفق لبلاغة القرآن العظيم، والمراد بأنشأناهن أعدنا إنشاءهن من غير ولادة لأن المخبر عنهن بذلك نساءكن في الدنيا.
فقد أخرج ابن جرير وعبد بن حميد والترمذي وآخرون عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الآية إن المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشًا رمصًا».
وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم وجماعة عن سلمة بن مرتد الجعفي قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {إِنَّا أنشأناهن} الثيب والابكار اللاتي كن في الدنيا» وأخرج الترمذي في الشمائل، وابن المنذر، وغيرهما عن الحسن قال: «أتت عجوز فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز فولت تبكي قال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: {إِنَّا أنشأناهن}» الخ، وقال أبو حيان: الظاهر أن الإنشاء هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق ويكون ذلك مخصوصًا بالحور العين فالمعنى إنا ابتدأناهن ابتداءًا جديدًا من غير ولادة ولا خلق أول.
{فجعلناهن أبكارا} تفسير لما تقدم، والجعل إما بمعنى التصيير، و{أبكارا} مفعول ثان، أو بمعنى الخلق و{أبكارا} حال أو مفعول ثان، والكلام من قبيل ضيق فم الركية، وفي الحديث: «إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارًا» أخرجه الطبراني في الصغير.
والبزار عن أبي سعيد مرفوعًا، {عُرُبًا} متحببات إلى أزواجهن جمع عروب كصبور وصبر، وروي هذا عن جماعة من السلف وفسرها جماعة أخرى بغنجات، ولا يخفى أن الغنج ألطف أسباب التحبب، وعن زيد بن أسلم العروب الحسنة الكلام، وفي رواية عن ابن عباس، والحسن، وابن جبير، ومجاهد هن العواشق لأزواجهن، ومنه على ما قيل قول لبيد:
وفي الخدور عروب غير فاحشة ** ريا الروادف يعشى دونها البصر

وفي رواية أخرى عن مجاهد أنهن الغلمات اللاتي يشتهين أزواجهن، وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا خير نسائكم العفيفة الغلمة وقال اسحق بن عبد الله بن الحرث النوافلي: العروب الخفرة المتبذلة لزوجها، وأنشد:
يعرين عند بعولهن إذا خلوا ** وإذا هم خرجوا فهن خفار

ويرجع هذا إلى التحبب، وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عُرُبًا} كلامهن عربي، ولا أظن لهذا صحة؛ والتفسير بالمتحببات هو الذي عليه الأكثر.
وقرأ حمزة، وجماعة منها عباس، والأصمعي عن أبي عمرو، وأخرى منها خارجة، وكردم عن نافع، وأخرى منها حماد وأبو بكر، وأبان عن عاصم {عُرُبًا} بسكون الراء وهي لغة تميم، وقال غير واحد: هي للتغفيف كما في عنق وعنق {أَتْرَابًا} مستويات في سن واحد كما قال أنس، وابن عباس، ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة وغيرهم كأنهن شبهن في التساوي بالترائب التي هي ضلوع الصدر.
أو كأنهن وقعن معًا على التراب أي الأرض وهو بنات ثلاث وثلاثين سنة وكذا أزواجهن.
وأخرج الترمذي عن معاذ مرفوعًا «يدخل أهل الجنة الجنة جردًا مردًا مكحلين أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين» والمراد بذلك كمال الشباب، وقوله تعالى: {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)}.
متعلق بأنشانا أو بجعلنا، وقيل: متعلق بأترابا كقولك فلان ترب لفلان أي مساولة فهو محتاج إلى التأويل، وتعقب بأنه مع هذا ليس فيه كثير فائدة وفيه نظر، وقيل: بمحذوف هو صفة لأبكارًا أي كائنات لأصحاب اليمين، وفيه إقامة الظاهر مقام الضمير لطول العهد أو للتأكيد والتحقيق، وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)}.
خبر مبتدأ محذوف أي هم ثلة، أو خبر ثان لهم المقدر مبتدأ مع {فِى سِدْرٍ} [الواقعة: 28] أو {لاصحاب اليمين} في قوله تعالى: {وأصحاب اليمين مَا أصحاب اليمين} [الواقعة: 17] أو مبتدأ خبره محذوف أي منهم، أو مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله احتمالات اعترض الأخير منها بأن المعنى عليه غير ظاهر ولا طلاوة فيه، وجعل اللام بمعنى من كما في قوله:
ونحن لكم يوم القيامة أفضل

لا يخفى حاله والأولون والآخرون المتقدمون والمتأخرون إما من الأمم وهذه الأمة، أو من هذه الأمة فقط على ما سمعت فيما تقدم، هذا ولم يقل سبحانه في حق أصحاب اليمين جزاءًا بما كانوا يعملون كما قاله عز وجل في حق السابقين رمزًا إلى أن الفضل في حقهم متمحض كأن عملهم لقصوره من عمل السابقين لم يعتبر اعتباره.
ثم الظاهر أن ما ذكر من حال أصحاب اليمين هو حالهم الذي ينتهون إليه فلا ينافي أن يكون منهم من يعذب لمعاص فعلها ومات غير تائب عنها ثم يدخل الجنة، ولا يمكن أن يقال: إن المؤمن العاصي من أصحاب الشمال لأن صريح أوصافهم الآتية يقتضي أنهم كانوا كافرين ويلزم من جعل هذا قسما على حدة كون القسمة غير مستوفاة فليتأمل، والله تعالى أعلم. اهـ.